المادة    
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الموضع: (فصل في الاحتجاج بالأحاديث النبوية على الصفات المقدسة العلية، وكسر طاغوت أهل التعطيل الذين قالوا: لا يحتج بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من صفات ذي الجلال والإكرام) وهؤلاء هم: الرازي والمتكلمون وأتباعهم.
قال رحمه الله: (وقالوا: الأخبار قسمان: متواتر وآحاد. فالأخبار عندهم هي: ما نقل أو روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو حتى عن غيره) أي: أن الخبر عندهم هو ما لا يقتضي العقل ثبوته أو نفيه، فهو قابل من الناحية العقلية للورود وعدم الورود، يقول: (فالمتواتر وإن كان قطعي السند لكنه غير قطعي الدلالة) حتى آيات القرآن التي لا شك في ثبوتها، ومن أنكرها كفر، يشككون في دلالاتها فيقولون: كون الله تبارك وتعالى فوق العالم كما أخبر في آيٍ كثيرة، أو كون الله تبارك وتعالى له يد أو عين أو سمع أو بصر عند كثير منهم أيضاً، أو يتكلم أو غير ذلك كله مردود لا بد أن يؤول، فظاهره -أي: دلالته- غير قطعية، أي: لا تدل هذه الآيات دلالة قطعية على أن الله تعالى متصف بهذه الصفات، وبالتالي فالقرآن ثابت، لكن دلالته في نظرهم غير قطعية وإنما ظنية، ويريدون بقولهم: ظنية: إبطال دلالته بالكلية، ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى -وهو محق في ذلك-: (إن هذا يؤدي إلى إبطال دين الإسلام بالكلية)؛ لأن الإسلام ما هو إلا القرآن والسنة، فإذا قلنا: إن القرآن والأحاديث المتواترة -وهي تلحق بالقرآن في الثبوت- دلالتها ظنية فلا تفيد العلم، والآحاد ترد فلا تفيد العلم، وعليه فما بقي من الدين شيء، وبالتالي فتؤخذ معرفتنا عن الله، وعن الغيب، وعن اليوم الآخر، وعن غيرها من الأمور الأخرى تؤخذ مما يقال: إنه براهين عقلية، أي: نأتي إلى كلام الفلاسفة والمتكلمين وأشباههم فنأخذ العقيدة منهم، وبالتالي فلا حاجة إلى بعث رسول، فهذا مما ألزمهم به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وإذا كنا لا بد أن نأخذ عقيدتنا، أو لا يجوز أن نأخذها إلا عن طريق هذه العقول -كما يسمونها- والآراء والأفكار والقوانين والقواعد الكلية التي وضعوها، وإذا جاءتنا الآيات والأحاديث اشتغلنا بتأويلها أو تفويضها حتى لا تتعارض مع هذه القواعد والأصول العقلية إذا كان كذلك فإن الأرحم بالناس أن لا ينزل القرآن وأن لا تأتي السنة؛ لأن العقول موجودة، وكتب اليونان موجودة، والفلاسفة موجودون، فيرجع إليها في معرفة الحق، ولا تضيع الأوقات في الاشتغال بكتاب يأتي من عند الله، وبكلام يأتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرد أو تبحث له التأويلات حتى يوافق تلك القواعد السابقة، وحينئذ كان الأرحم بالبشرية أن يقال لهم: ارجعوا إلى عقولكم، وإلى آرائكم، وإلى كلام الفلاسفة، وإلى قواعدهم واعملوا بها، ولا تجهدوا أنفسكم بالتأويلات والتكلفات والتخريجات التي بها تردون هذه الأدلة، ولذلك فإن العلماء قالوا -وهذا مثال ذكره ابن تيمية رحمه الله ثم من بعده-: إن مثل الوحي والعقل كمثل العالم المتمكن المجتهد مع العامي الذي يدل الناس على هذا العالم، كيف هذا؟
عندما قال أهل البدع: إن العقل والنقل يتعارضان، وإذا تعارضا فالواجب أن نرد النقل، وأن لا نأخذ به، ولا نعمل به وأن نقدم العقل؛ لأن العقل هو الذي دل على ثبوت النقل، فلم تثبت النبوة، ولم يثبت الوحي إلا عن طريق العقل، فإذا قدحنا في الدليل بطل المدلول.
فنحن عندما نثبت العقل ونوطده نكون قد ثبتنا الفرع وهو المدلول أو النقل، أما لو ألغينا العقل وقدمنا عليه النقل -هذا على كلامهم- فنكون قد أبطلنا الأصل والدليل، وإذا بطل الأصل بطل الفرع والمدلول، فيرد عليهم العلماء بردود كثيرة، منها هذا المثال، وهو أننا لا ننكر أن العقول تدل على صحة النقل؛ فإن العقل يدل على أن الوحي حق ولا شك في ذلك، بل إن الله سبحانه وتعالى إنما أنزل هذا القرآن لقوم يعقلون، ولقوم يتفكرون، ولقوم يتذكرون، وضرب لهم الأمثال، بل إن الأدلة القرآنية والنبوية هي في الحقيقة أدلة عقلية، ولكن ألفاظها وثبوتها نقلي، لكن هي أدلة عقلية تخاطب العقل السليم، فلا يستطيع أن يجد منها مناصاً، بل يلتزمها ويؤمن بها، فنقول: نعم العقول دلت على صحة النقل والوحي وثبوت النبوة، وثبوت النبوة يتفرع عنه القرآن والسنة وكل شيء.
  1. محاكمة النقل إلى العقل

    لكن هل يقتضي ذلك أن يحاكم الوحي إلى العقل أو هذا الدليل؟ لا، ونضرب لهم هذا المثل للإيضاح فنقول: إذا جاء جماعة من الناس يريدون العلم، والخير في بلد ما، وقالوا: نريد من يدلنا على عالم نأخذ عنه الدين والفتوى، فدلهم رجل عامي من أهل القرية على العالم، فتعلموا ما شاء الله أن يتعلموا، فلما أرادوا العودة قابلهم الدليل وهو العامي، فقال: اعرضوا عليَّ كل ما تعلمتم حتى أميز لكم الصحيح من الضعيف، والحق من الباطل، فإن قالوا له: ما حجتك؟ فيقول: ألم أدلكم على الشيخ العالم المجتهد فتعلمتم منه؟ فيقولون: بلى، فيقول: إذاً من حقي أن أتحكم فيما أخذتم عنه من علم، فيقال له: أما دلالتك على العالم فحق، ونحن لا ننكر ذلك، بل نثني عليك بذلك، وأما أن تكون الحكم فيما يقول العالم، وتصبح فوق العالم لمجرد أنك دللت عليه؛ فهذا لا يصلح أبداً، وبالتالي فالعقل الصادق الصحيح هو مثل العامي الصادق، فهو يدل على العالم -ولهذا تجد بعض العوام لا علم لديه، لكنه يستطيع أن يميز بين العلماء، وبين الناس، وبين الكتب؛ لأن عنده بصيرة يعرف بها الحق- لكن هل يعني ذلك أنه يحكَّم في كلام العلماء؟ لا يمكن ذلك، فهذا هو المثال الذي ضربه العلماء في هذا، بالإضافة إلى المقدمة المهمة التي لا بد أن لا تفوتنا أيضاً في هذا الباب، وهي أنه لو افترضنا أن جماعة قدموا إلى هذا العالم وقالوا له: نحن نأخذ عنك العلم، فأخذوا عنه العلم بالدين أصولاً وفروعاً، ثم قالوا: سنرجع إلى شيخ قبيلتنا الذي بعثنا من هناك ونحكمه في هذا، فهل يكونون فعلاً واثقين في علم هذا العالم، مصدقين له؟ لا، بل سيكونون غير واثقين، وإلا فكيف تتعلمون عنده هذه السنين الطويلة، ثم يتوقف قبولكم لعلمه على إقرار شيخ القبيلة الذي بعثكم؟ ولو فرض أن هذا العالم هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاءه صلى الله عليه وسلم بعض الوفود في المواسم، مثل: وفد بني تميم، وبني عامر وأمثالهم، فقابلهم وعرض عليهم ما عنده، فما وجدوا في الكلام أي مطعن، بل هو حق مفيد عظيم تشهد له العقول وتقر به القلوب، فلو قالوا: لا بد أن نرجع إلى قبيلتنا، وما آمنوا ولا انقادوا كما فعل الأنصار رضي الله تعالى عنهم، بل بنو تميم مثلاً رجعوا إلى أكثم بن صيفي أحد حكماء العرب في الجاهلية وأخبروه بالخبر، فلامهم وعاتبهم، فهؤلاء لا يعدون مؤمنين؛ لأنهم لم يأخذوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مأخذ الإيمان والإذعان والانقياد والتسليم، وإنما حفظوه ثم أخذوا يعرضونه على من يؤيده أو يرفضه، فنقول: كذلك الحال فيمن يقولون: لا بد من تحكيم العقل -بزعمهم- فالعقل هو شيخ القبيلة كتطبيق لهذا المثال، والذين يقولون: نحن مسلمون، نحن مؤمنون، ثم يقرءون الآيات ويسمعون ما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أحاديث، ثم يقولون: لا نؤمن بها حتى نعرضها على ما قرره علماء الكلام من القواعد العقلية؛ فإن وافقتها أثبتنا مقتضاها وآمنا بهذه الصفات والقدر وغيرهما، وإن خالفتها رددناها، فنقول: أنتم مثل هؤلاء، إلا أنهم تحاكموا إلى شيخ القبيلة، وأنتم أرجعتم الأمر إلى أهواء وآراء المتكلمين والحكماء وغيرهم، فما الفرق إذا قلتم: إن أولئك ليسوا مؤمنين؟! فكذلك أنتم في الحقيقة لستم بمؤمنين ومذعنين ومصدقين برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن مقتضى الإيمان به هو التسليم الكامل القطعي في كل ما جاء به.
  2. إفادة الدلالة اللفظية لليقين

    ولهذا يقول الشيخ رحمه الله: (الأخبار قسمان: متواتر وآحاد، فالمتواتر وإن كان قطعي السند لكنه غير قطعي الدلالة؛ فإن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين) أي: أن الألفاظ لا تفيد اليقين، وهذا من أغرب الأقوال، أي القول بأن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين، وإنما يفيدها القضايا العقلية المجردة؛ وذلك لأنهم يقولون: لأن الكلمة تحتمل احتمالات، فتحتمل من ناحية الوضع، هل وضعت الكلمة لهذا أم لا؟ فمثلاً: كلمة: اليد، يقولون: ليس هناك دليل قاطع على أن اليد التي في القرآن تعني أن نثبت لله تبارك وتعالى يداً على الحقيقة؛ لأنه لابد أن نعلم: هل واضع اللغة أراد باليد الشيء الحقيقي أو أراد أشياء أخرى؟ ونحتمل أيضاً إرادة المتكلم، فربما قال المتكلم: اليد ويريد شيئاً آخر غير الحقيقة، كأن يريد المجاز كما يزعمون، وكذلك معرفة الاشتراك والإضمار والمجاز والتخصيص والتقديم والتأخير، ويذكرون عشرة أمور أو عقبات جعلوها حتى لا تدل الألفاظ على المعاني، وهذا من أبطل الباطل، إذ معنى هذا أن تصبح نصوص القرآن والسنة مجرد رسوم، فلا تدل على شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم علمها وعلّمها أصحابه، وعلمها أصحابه التابعين، وكلهم -والحمد لله- فقهوا معانيها ظاهراً وباطناً، قولاً وعملاً، وليس هذا من شأن العرب فضلاً عن أن يكون من شأن أذكى العرب، وأفهم العرب، وأعظم الناس إيماناً وفقهاً وعلماً، وأكملهم عقولاً ورأياً وفطنة، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أصلاً قدح في اللغة العربية وفي كل لغة، ولهذا قال رحمه الله: (وبهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات. قالوا: والآحاد لا تفيد العلم، فسدوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية، سموها عقلية وبراهين نقلية وهي في التحقيق: (( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ))[النور:39]) إلى آخر الآيات كما هو منقول هنا.
  3. العشر المقامات في إثبات وجوب الاحتجاج بأحاديث الآحاد

    ثم يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (والكلام على ذلك في عشر مقامات) أي: أن الكلام في إثبات وجوب التحاكم إلى الأحاديث والاحتجاج بها، وأخذ العقيدة عنها متى ما صحت، سواء كانت متواترةً أو آحاداً في عشر مقامات، وهذا من تبحره في العلم رحمه الله تعالى، وحقيقة أنه كما عبر ابن القيم في هذا الكتاب أنه قال: ما أتي به في هذا الكتاب أو غيره فهو من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فكلنا من بحره نغترف، وبالتالي فهذه العشرة المقامات مأخوذة من كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله.
    يقول رحمه الله: (أحدها: في بيان إفادة النصوص الدلالة القطعية على مراد المتكلم) أي: أن الألفاظ تدل على المراد، وأن نصوص الكتاب والسنة تدل على مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم منها.
    ثم قال: (وقد تقدم الكلام في ذلك) أي: عندما تكلم عن موضوع طاغوت المجاز، وطاغوت التأويل، فمثلاً: صفة اليد، يقولون -بزعمهم-: إما أنها مجاز، وإما أن نؤولها, ولذلك ابن القيم لما هدم هذين الطاغوتين علمنا أن الألفاظ تدل على اليقين، ويعني هذا: إنكار المجاز والتأويل.
    قال: (والثاني: أن هذه الأخبار -الصحيحة- التي زعموا أنها آحاد، موافقة للقرآن، مفسرة لما جاء فيه، مفصلة لما أجمل، وهي أيضاً موافقة للأحاديث المتواترة، وبالتالي إذا قبلنا الآية فنقبل الحديث الذي جاء موافقاً لها، ولا تعارض والحمد لله بين هذه الأحاديث وبين الآيات، وهذا ذكر له الشيخ باباً وأطال فيه، ولعلنا نأتي على شيء منه.
    قال: (الثالث: بيان وجوب تلقيها بالقبول) أي: أن نبين أنه يجب على كل مؤمن أن يتلقى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبول، ولا يسعه إلا ذلك، ولا يجوز له أن يرد أي حديث يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي علة من العلل، والمقصود بالرد: الرفض، وليس المراد ألا يعمل به؛ لأنه رجح رواية أخرى أو حديثاً آخر.
    قال: (الرابع: إفادتها للعلم واليقين) أي: بيان أن هذه الأخبار الآحادية تفيد العلم واليقين.
    قال: (الخامس: بيان أنها لو لم تفد اليقين فأقل درجاتها أنها تفيد الظن الراجح، ولا يمتنع ثبوت الصفات والأفعال به) وهذا نقوله تنزلاً فقط.
    قال: (السادس: أن الظن الحاصل بها أقوى من الجزم المستند إلى القضايا الوهمية الخيالية التي يسمونها: عقلية).
    قال: (السابع: بيان أن كون الشيء قطعياً أو ظنياً أمر نسبي إضافي) أي: ما يكون قطعياً عندك يكون ظنياً عند غيرك والعكس.
    قال: (الثامن: بيان الإجماع المعلوم على قبولها وتلقيها) أي: فيكون أهل البدع شاذين خارجين عن الإجماع وعن الأمة.
    قال: (التاسع: بيان أن قولهم: إن خبر الواحد لا يفيد العلم قضية كاذبة باتفاق العقلاء).
    قال: (العاشر: جواز الشهادة لله سبحانه وتعالى بما دلت عليه هذه الأخبار، والشهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بها عن الله، وهذا يرجع إلى تلقيها بالقبول).
    إذاً: القضية الأولى: أنها تفيد اليقين، فهذه في الرد على المجاز وعلى التأويل.
    القضية الثانية: موافقة أحاديث الآحاد للقرآن، وكمثال لذلك حديث: ( قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن )، وحديث الجارية: ( أين الله؟ قالت: في السماء )، وحديث القدم، إلى آخر هذه الأحاديث؛ فإنها لا تتعارض مع القرآن، بل هي موافقة له، مفسرة موضحة، فمثلاً: إذا قال الله تبارك وتعالى: (( أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ))[الملك:16]، فإن أهل البدع يؤولونها فيقولون: ملكه أو سلطانه أو أمره أو عقوبته؛ حتى لا يثبتوا لله العلو، فنقول: الآية تدل على أنه تبارك وتعالى في السماء، أي: فوق العالم، وحديث الجارية حديث آحاد، فاتفقت الآية والحديث، والحديث بين وفصل، بمعنى: أنه لو جاء واحد وقال: إن المعنى أأمنتم من في السماء ملكه أو سلطانه أو عقوبته، نقول: لا، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال: أين عقوبة الله؟ أو: أين أمر الله؟ أو: أين رحمة الله؟ وإنما قال: أين الله؟ فالمسئول عنه هو الله، وذات الله تبارك وتعالى، والجواب: كان (في السماء) كما في الآية، وبالتالي فلا تعارض بين هذا الحديث والآية، وابن القيم رحمه الله تعالى يقول: انظروا إلى موافقة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة أهل الكتاب لما جاء في التوراة و الإنجيل ، فما بالكم بموافقة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الحكمة ومن السنة لما جاء في القرآن؟ ونذكر دليلين على ذلك:
    الدليل الأول: النجاشي رضي الله تعالى عنه عندما سمع ما قرأه عليه الصحابة من صدر سورة مريم، فقال: [إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة] فإذاً اتفق ما جاء في القرآن مع ما جاء في التوراة وكذلك ما جاء في الإنجيل.
    الدليل الثاني: قال ورقة بن نوفل: [هذا هو الناموس الذي أنزل على موسى] إذاً اتفق القرآن مع هذه الكتب (( مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ ))[المائدة:48]، أي: مصدقاً لما معكم، فكيف بالتطابق والتوافق بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الوحي الثاني أو الوحي الآخر الشارح المبين المفسر لما جاء به القرآن؟ لا بد أن تكون متطابقة وهكذا.
    ومثله أيضاً ما جاء في الصحيح وهو آحاد: ( أحل عليكم رضواني )، فأثبت الرضوان، وجاء في القرآن: (( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ))[المائدة:119]، وفي حديث الاستخارة: ( اللهم إني أستخيرك بعملك واستقدرك بقدرتك )، وقد جاء العلم والقدرة في القرآن، فهذه أحاديث الصفات جاءت في القرآن، وإن كان بعض الصفات لم يثبت إلا من خلال الأحاديث، فهو لا يتعارض مع ما جاء في القرآن.